كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثالث: نأكل؛ يقال: رتعت الإِبل: إِذا رعت، وأرتعتها: إِذا تركتها ترعى.
قال الشاعر:
وَحْبِيبٍ لي إِذَا لاَقَيْتُهُ ** وإِذَا يَخْلُوا لَهُ لَحْمِي رَتَعْ

أي: أكله، هذا قول ابن الأنباري، وابن قتيبة.
وقرأ عاصم، وحمزة والكسائي: {يرتع ويلعب} بالياء فيهما وجزْم العين والباء، يعنون {يوسف}.
وقرأ نافع: {نرتعِ} بكسر العين من {نرتع} من غير بلوغ إِلى الياء.
قال ابن قتيبة: ومعناها: نتحارس، ويرعى بعضنا بعضًا، أي: يحفظ؛ ومنه يقال: رعاك الله، أي: حفظك.
وقد رويت عن ابن كثير أيضًا {نرتعي} باثبات ياء بعد العين في الوصل والوقف.
وقرأ أنس، وأبو رجاء {نُرتِعْ} بنون مرفوعة وكسر التاء وسكون العين، و{نلعبْ} بالنون.
قال أبو عبيدة: أي: نرتع إِبلنا.
فأما قوله: {ونلعب} فقال ابن عباس: نلهو.
فإن قيل: كيف لم ينكر عليهم يعقوب ذِكر اللعب؟
فالجواب: من وجهين.
أحدهما: أنهم لم يكونوا حينئذ أنبياء، قاله أبو عمرو بن العلاء.
والثاني: أنهم عَنَوْا مباح اللعب، قاله الماوردي.
قوله تعالى: {إِني ليحزنني أن تذهبوا به} أي: يحزنني ذهابكم به، لأنه يفارقني فلا أراه.
{وأخاف أن يأكلَهُ الذئب} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة: {الذئب} بالهمز في الثلاثة المواضع.
وقرأ الكسائي، وأبو جعفر، وشيبة بغير همز.
قال أبو علي: {الذئب} مهموز في الأصل.
يقال: تذاءَبَتِ الريح: إِذا جاءت من كل جهة كما يأتي الذئب.
وفي علة تخصيص الذئب بالذكر ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه رأى في منامة أن الذئب شد على يوسف، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أن أرضهم كانت كثيرة الذئاب، قاله مقاتل.
والثالث: أنه خافهم عليه فكنى بذكر الذئب، قاله الماوردي.
قوله تعالى: {وأنتم عنه غافلون} فيه قولان:
أحدهما: غافلون في اللعب.
والثاني: مشتغلون برعيتكم.
قوله تعالى: {لئن أكله الذئب ونحن عُصْبَةٌ} أي: جماعة نرى الذئب قد قصده ولا نرد عنه: {إِنا إِذًا لخاسرون} أي: عاجزون.
قال ابن الأنباري: ومن قرأ {عصبةً} بالنصب، فتقديره: ونحن نجتمع عصبة.
قوله تعالى: {فلما ذهبوا به} في الكلام اختصار وإِضمار، تقديره: فأرسله معهم فلما ذهبوا.
{وأجمعوا} أي: عزموا على أن يجعلوه في غيابة الجب.
الإِشارة إِلى قصة ذهابهم:
قال المفسرون: قالوا ليوسف: أما تشتاق أن تخرج معنا فتلعب وتتصيد؟ قال: بلى، قالوا: فسل أباك أن يرسلك معنا، قال: أفعل، فدخلوا بجماعتهم على يعقوب، فقالوا: يا أبانا إِن يوسف قد أحب أن يخرج معنا، فقال: ما تقول يا بني؟ قال: نعم يا أبت، قد أرى من إِخوتي اللين واللطف، فأنا أحب أن تأذن لي، فأرسله معهم، فلما أصحروا، أظهروا له ما في أنفسهم من العداوة، وأغلظوا له القول، وجعل يلجأ إِلى هذا، فيضربه، وإِلى هذا، فيؤذيه، فلما فطن لما قد عزموا عليه، جعل ينادي: يا أبتاه، يا يعقوب، لو رأيت يوسف وما ينزل به من إِخوته لأَحَزْنَكَ ذلك وأبكاك، يا أبتاه ما أسرع ما نسوا عهدك، وضيَّعوا وصيَّتك، وجعل يبكي بكاءً شديدًا.
قال الضحاك عن ابن عباس: فأخذه روبيل فجلد به الأرض، ثم جثم على صدره وأراد قتله، فقال له يوسف: مهلًا يا أخي لا تقتلني، قال: يا ابن راحيل صاحبَ الأحلام، قل لرؤياك تخلصك من أيدينا، ولوى عنقه ليكسرها، فنادى يوسف: يا يهوذا اتق الله فيّ، وخل بيني وبين مَنْ يريد قتلي، فأدركته له رحمة، فقال يهوذا: يا إِخوتاه، ألا أدلكم على أمرٍ هو خير لكم وأرفق به؟ قالوا: وما ذاك؟ قال: تلقونه في هذا الجب فيلتقطه بعض السيارة، قالوا: نفعل؛ فانطلفوا به إِلى الجب، فخلعوا قميصه، فقال: يا إِخوتاه، لِمَ نزعتم قميصي؟ ردوه عليَّ أستر به عورتي ويكون كفنًا لي في مماتي؛ فأخرج الله له حجرًا في البئر مرتفعًا من الماء، فاستقرت عليه قدماه.
وقال السدي: جعلوا يدلونه في البئر، فيتعلق بشفير البئر؛ فربطوا يديه ونزعوا قميصه، فقال: يا إِخوتاه، ردوا عليَّ قيمصي أتوارى به، فقالوا: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبًا، فدلّوه في البئر، حتى إِذا بلغ نصفها ألقوه إِرادة أن يموت، فكان في البئر ماءٌ فسقط فيه، ثم أوى إِلى صخرة فيها فقام، عليها؛ فلما أَلْقَوْهُ في الجب جعل يبكي، فنادوه، فظن أنها رحمة أدركتهم فأجابهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة، فمنعهم يهوذا، وكان يهوذا يأتيه بالطعام.
وقال كعب: جمعوا يديه إِلى عنقه ونزعوا قميصه، فبعث الله إِليه مَلَكًا، فحلَّ عنه وأخرج له حجرًا من الماء، فقعد عليه؛ وكان يعقوب قد أدرج قميص إِبراهيم الذي كساه الله إِياه يوم أُلْقي في النار في قصبة، وجعلها في عنق يوسف، فألبسه إِياه الملك حينئذ، وأضاء له الجب.
وقال الحسن: أُلقي في الجب، فَعَذُبَ ماؤه، فكان يغنيه عن الطعام والشراب؛ ودخل عليه جبريل، فأنس به، فلما أمسى، نهض جبريل ليذهب، فقال له يوسف: إِنك إِذا خرجت عني استوحشت، فقال: إِذا رهبت شيئًا فقل: يا صريخ المستصرخين، وياغوث المستغيثين، ويا مفرِّج كرب المكروبين، قد ترى مكاني وتعلم حالي ولا يخفى عليك شيء من أمري.
فلما قالها حفّته الملائكة، فاستأنس في الجب ومكث فيه ثلاثة أيام، وكان إِخوته يرعون حول الجب.
وقال محمد بن مسلم الطائفي: لما أُلقي يوسف في الجُبِّ، قال: ياشاهدًا غير غائب، ويا قريبًا غير بعيد، ويا غالبًا غير مغلوب، اجعل لي فرجًا مما أنا فيه؛ قال: فما بات فيه.
وفي مقدار سنِّة حين أُلقي في الجب أربعة أقوال:
أحدها: اثنتا عشرة سنة، قاله الحسن.
والثاني: ست سنين، قاله الضحاك.
والثالث: سبع عشرة، قاله ابن السائب، وروي عن الحسن أيضًا.
والرابع: ثمان عشرة.
قوله تعالى: {وأوحينا إِليه} فيه قولان:
أحدهما: أنه إِلهام، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنه وحي حقيقة.
قال المفسرون: أُوحي إِليه لتخبرنّ إِخوتك بأمرهم، أي: بما صنعوا بك وأنت عالٍ عليهم.
وفي قوله: {وهم لا يشعرون} قولان:
أحدهما: لا يشعرون أنك يوسف وقت إِخبارك لهم، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مقاتل.
والثاني: لا يشعرون بالوحي، قاله مجاهد، وقتادة، وابن زيد.
فعلى الأول يكون الكلام من صلة {لتنبئنهم}؛ وعلى الثاني من صلة {وأوحينا إِليه}.
قال حميد: قلت للحسن: أيحسد المؤمنُ المؤمنَ؟ قال: لا أبالك، ما نسّاك بني يعقوب؟
قوله تعالى: {وجاؤوا أباهم عشاء يبكون} وقرأ أبو هريرة، والحسن، وابن السميفع، والأعمش: {عشاء} بضم العين.
قال المفسرون: جاؤوا وقت العتمة ليكونوا أجرأ في الظلمة على الاعتذار بالكذب، فلما سمع صوتهم فزع، وقال: مالكم يا بَنِيَّ، هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فما اصابكم؟ وأين يوسف؟: {قالوا يا أبانا إِنا ذهبنا نستبق} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ننتضل، قاله ابن عباس، وابن قتيبة، قال: والمعنى، يسابق بعضنا بعضًا في الرمي، والثاني: نشتد، قاله السدي.
والثالث: نتصيد، قاله مقاتل.
فيكون المعنى على الأول: نستبق في الرمي لننظر أينا أسبق سهمًا؛ وعلى الثاني: نستبق على الأقدام؛ وعلى الثالث: للصيد.
قوله تعالى: {وتركنا يوسف عند متاعنا} أي: ثيابنا.
{وما أنت بمؤمن لنا} أي: بمصدِّق.
وفي قوله: {ولو كنا صادقين} قولان:
أحدهما: أن المعنى: وإِن كنا قد صدقنا، قاله ابن إِسحاق.
والثاني: لو كنا عندك من أهل الصدق لا تهمتنا في يوسف لمحبتك إِياه، وظننت أنا قد كذبناك، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {وجاؤوا على قميصه بدم كذب} قال اللغويون: معناه: بدم مكذوب فيه، والعرب تجعل المصدر في كثير من الكلام مفعولًا، فيقولون للكذب مكذوب، وللعقل معقول، وللجلد مجلود، قال الشاعر:
حتَّى إِذا لَمْ يَتْرُكُوا لِعِظَامِهِ ** لَحْمًا وَلاَ لِفُؤَادِهِ مَعْقُولاَ

أراد: عقلًا.
وقال الآخر:
قد والذي سَمَكَ السماءَ بِقُدْرَةٍ ** بُلغ العَزَاءُ وأُدْرِكَ المَجْلُوْدُ

يريد: أُدرك الجلد.
ويقولون: ليس لفلان عقد رأي، ولا معقود رأي، ويقولون: هذا ماء سكْب، يريدون: مسكوبًا، وهذا شراب صب، يريدون: مصبوبًا، وماء غور، يعنون: غائرًا، ورجل صوم، يريدون: صائمًا، وامرأة نَوْح، يريدون: نائحة؛ وهذا الكلام مجموع قول الفراء، والأخفش، والزجاج، وابن قتيبة في آخرين.
قال ابن عباس: أخذوا جديًا فذبحوه، ثم غمسوا قميص يوسف في دمه، وأتوه به وليس فيه خرق، فقال: كذبتم، لو كان أكله الذئب لخرّق القميص.
وقال قتادة: كان دم ظبية.
وقرأ ابن أبي عبلة: {بدمٍ كذبًا} بالنصب.
وقرأ ابن عباس، والحسن، وأبو العالية: {بدم كدب} بالدال غير معجمة، أي: بدم طريّ.
قوله تعالى: {بل سَوَّلَتْ} أي: زَيَّنَتْ: {لكم أنفسكم أمرًا} غير ما تصفون: {فصبر جميل} قال الخليل: المعنى: فشأني صبر جَميل، والذي أعتقده صبر جميل.
وقال الفراء: الصبر مرفوع، لأنه عزّى نفسه وقال: ما هو إِلا الصبر، ولو أمرهم بالصبر، لكان نصبًا.
وقال قطرب: المعنى: فصبري صبر جميل.
وقرأ ابن مسعود، وأُبيّ، وأبو المتوكل: {فصبرًا جميلًا} بالنصب.
قال الزجاج: والصبر الجميل، لا جزع فيه، ولا شكوى إِلى الناس.
قوله تعالى: {والله المستعان على ما تصفون} فيه قولان:
أحدهما: على ما تصفون من الكذب.
والثاني: على احتمال ما تصفون.
قوله تعالى: {وجاءت سيارة} أي: قوم يسيرون: {فأرسلوا واردهم} قال الأخفش: أنّث السيارة وذكّر الوارد، لأن السيارة في المعنى للرجال.
وقال الزجاج: الوارد: الذي يَرِدُ الماء ليستقي للقوم.
وفي اسم هذا الوارد قولان:
أحدهما: مالك بن ذُعْر بن يؤيب بن عيفا بن مدين بن إِبراهيم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: مجلث بن رعويل، قاله وهب بن منبه.
قوله تعالى: {فأدلى دَلْوَهُ} أي: أرسلها.
قال الزجاج: يقال: أدليت الدلو: إِذا أرسلتها لتملأها ودلوتها: إِذا أخرجتها.
{قال يا بشراي} قرأه ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {يا بشرايَ} بفتح الياء وإِثبات الألف.
وروى ورش عن نافع {بشرايْ} و{محيايْ} [الأنعام: 162] و{مثواي} [يوسف: 23] بسكون الياء.
وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي {يا بشرى} بألف بغير ياء.
وعاصم بفتح الراء، وحمزة، والكسائي يميلانها.
قال الزجاج: من قرأ {يا بشراي} فهذا النداء تنبيه للمخاطبين، لأن البشرى لا تجيب ولا تعقل؛ فالمعنى: أبشروا، ويا أيها البشرى هذا من أوانك، وكذلك إِذا قلت: يا عجباه، فكأنك قلت: اعجبوا، ويا أيها العجب هذا من حينك؛ وقد شرحنا هذا المعنى [هود 69 و74].
فأما قراءة من قرأ {يا بشرى} فيجوز أن يكون المعنى: يا من حضر، هذه بشرى.
ويجوز أن يكون المعنى: يا بشرى هذا أوانك على ما سبق بيانه من تنبيه الحاضرين.
وذكر السدي أنه نادى بذاك أحدهم وكان اسمه بشرى.
وقال ابن الأنباري: يجوز فيه هذه الأقوال، ويجوز أن يكون اسم امرأة.
وقرأ أبو رجاء، وابن أبي عبلة: {يا بُشْرَيَّ} بتشديد الياء وفتحها من غير ألف.
قال ابن عباس: لما أدلى دَلْوَه؛ تعلق يوسف بالحبل فنظر إِليه فإذا غلام أحسن ما يكون من الغلمان، فقال لأصحابه: البشرى، فقالوا: ما وراءك؟ قال: هذا غلام في البئر، فأقبلوا يسألونه الشركة فيه، واستخرجوه من الجُبِّ، فقال بعضهم لبعض: اكتموه عن أصحابكم لئلا يسألونكم الشركة فيه، فإن قالوا: ما هذا؟ فقولوا: استبضعنَاه أهل الماء لنبيعه لهم بمصر؛ فجاء إخوة يوسف فطلبوه فلم يجدوه في البئر، فنظروا، فإذا هم بالقوم ومعهم يوسف، فقالوا لهم: هذا غلام أبق منا، فقال مالك بن ذعر: فأنا أشتريه منكم، فباعوه بعشرين درهمًا وحُلَّة ونعلين، وأسره مالك بن ذعر من أصحابه، وقال: استبضعَناه أهل الماء لنبيعه لهم بمصر.
قوله تعالى: {وأسرُّوه بضاعة} قال الزجاج: {بضاعةً} منصوب على الحال، كأنه قال: وأسرّوه جاعليه بضاعة.
وقال ابن قتيبة: أسرّوا في أنفسهم أنه بضاعة وتجارة.
في الفاعلين لذاك قولان:
أحدهما: أنهم واردو الجب.